ضوابط الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم


لنبدأ بطرح كل التساؤلات والإنتقادات التي أُثيرت مؤخراً حول موضوع الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم ، ونجيب عنها بكل صراحة ووضوح .
ومن هذه التساؤلات : ماهي الفوائد من دراسة الإعجاز الرقمي ؟ وهل هنالك علاقة بين الأرقام وعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ؟ وما هي قصة رشاد خليفة وانحرافاته ؟ وماذا عن حساب الجُمَّل ؟ وماذا عن قراءات القرآن العشر وهل فيها إعجاز رقمي ؟
سوف نحاول أيضاً من خلال الصفحات الآتية وضع ضوابط لهذا العلم الناشئ ، هذه الضوابط هي الأساس العلمي والشرعي الذي اعتمدنا عليه في استنباط الحقائق الرقمية الثابتة في كتاب الله عزَّ وجلَّ .
مقدمة
بيّنت الدراسة والبحث المنهجي لآيات القرآن الكريم أن التناسق والإحكام لايقتصر على معاني ودلالات الكلمات فحسب ، إنما هنالك تناسق في أعداد هذه الكلمات وتكرار حروفها . فإذا ما نظرنا إلى هذا الكتاب العظيم على أنه بناء مُحكَم من الحروف ، سوف نستنتج أن الله جل وعلا كما رتَّب كل ذرة في هذا الكون بنظام مُحكَم ودقيق ، كذلك رتَّب كل حرف في هذا القرآن بتناسق مُحكَم ودقيق .
وهذا هو موضوع بحثنا في رحاب حروف وكلمات كتاب الله تعالى ، واستخراج العلاقات الرقمية والتناسقات العددية ، لهذه الكلمات والحروف ، والتي أثبت البحث الطويل أنها تقوم على الرقم سبعة . وأن التناسق مع الرقم سبعة له مدلول كبير ، وهو أن هذا القرآن صادر من ربّ السماوات السبع سبحانه ، وأن الله تعالى قد حفظ كتابه من التحريف ، وأنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثل هذا القرآن ، بمثل ألفاظه ومعانيه أو بمثل أعداد كلماته وحروفه .
ولكن قبل أن نبدأ رحلتنا في رحاب الرقم سبعة نودُّ أن نجيب عن الأسئلة التي قد تخطر ببال من يقرأ هذه الموسوعة في الإعجاز الرقمي ، لا سيما أن هذا العلم الناشئ قد تعرَّض في بداياته إلى شيءٍ من الخطأ والمبالغة والغلوّ . وقد شاهدنا بعض الانحرافات من بعض من استغلّ الأرقام لأهداف شيطانية ، فأساء لهذا العلم البريء من أمثال هؤلاء .
شبهات وانحرافات
شُبهات كثيرة أُثيرت ولا تزال حول موضوع الإعجاز العددي في القرآن الكريم ، فبعضهم يعتقد أن لا فائدة من دراسة الأرقام القرآنية ، باعتبار أن القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع وأحكام ، وليس كتاب رياضيات وأرقام !
 ومن العلماء من يعتقد أن إعجاز القرآن إنما يكون ببلاغته ولغته وبيانه ، وليس بأرقامه ! ويتساءل بعض السادة القرّاء حول مصداقية كتب الإعجازالرقمي ، ومدى صِدق النتائج التي تقدمها أبحاث هذا النوع من الإعجاز . والعجيب أن الأمر قد تطور لدى بعض المعارضين إلى إنكار الإعجاز العددي برمّته بسبب عدم اقتناعهم بوجود علاقات رقمية في كتاب الله تعالى .
 ولكن لماذا ينأى علماء المسلمين بأنفسهم عن علم الرياضيات في القرآن ؟ وهل هنالك أحكام مسبقة تجاه هذا العلم بسبب بعض الانحرافات والأخطاء التي وقع بها (رشاد خليفة) أول من تناول هذا الموضوع منذ ربع قرن وغيره ممن بحثوا في هذا المجال ؟
حول هذه التساؤلات سيكون لنا وقفات في هذا المبحث نجيب من خلالها عن بعض الانتقادات التي يواجهها الإعجاز الرقمي اليوم ، ونبيّن فيها ما لهذا العلم الناشئ من حقّ علينا ، ونبيّن كذلك الأشياء الواجب على من يبحث في هذا الجانب الإعجازي أن يلتزم بها أو يبتعد عنها .
وسوف نطرح جميع الانتقادات بتجرّد ، ونجيب عنها بإذن الله بكل صراحة . وسيكون الدافع من وراء ذلك هو الحرص على كتاب الله سبحانه تعالى ، وإظهار الحقّ والحقيقة ، ونسأل الله أن يلهمنا الإخلاص والصواب . ونبدأ بهذا السؤال :
ماهي قصة رشاد خليفة ؟
منذ أكثر من ألف سنة بحث كثير من علماء المسلمين في الجانب الرقمي للقرآن الكريم ، فعدُّوا آياته وسورَه وأجزاءَه وكلماته وحروفَه . وغالباً ما كانت الإحصاءات تتعرض لشيء من عدم الدقة بسبب صعوبة البحث . وإذا تتبعنا الكتابات الصادرة حول هذا العلم منذ زمن ابن عربي وحساب الجُمَّل ، وحتى زمن رشاد خليفة ونظريته في الرقم 19 ، لوجدنا الكثير من الأخطاء والتأويلات البعيدة عن المنطق العلمي .
لقد استغلّ الدكتور رشاد بعض الحقائق الرقمية الصحيحة والواردة في كتاب الله تعالى ، والمتعلقة بالرقم 19 ، واعتبر أن القرآن كلَّه منظَّم على هذا الرقم . ولكن اتّضح فيما بعد زَيْف ادعائه وكَذِب نتائجه ، وتبيّن بأن معظم الأرقام التي ساقها في كتابه (معجزة القرآن الكريم) بعيدة عن الصواب .
ومن أهم الأمثلة التي ذكرها في بحثه وبنى عليها دراسته ، أن أول آية في القرآن : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ، تتكرّر كلماتُها في القرآن عدداً من المرّات من مضاعفات الرقم 19 . وقد ثَبُت أن هذا الكلام غير دقيق .
فهو يقول بأن كلمة : ﴿بِسْمِ﴾ وأصلها ﴿اسم﴾ قد وردت في القرآن كله 19 مرة ، والصواب أنها وردت 22 مرة ، وهذا العدد ليس من مضاعفات الرقم 19 .
ويقول بأن كلمة ﴿الله﴾ وردت في القرآن 2698 مرة ، أي 19×142 ، وهذا العدد غير دقيق أيضاً ! والصواب أن كلمة ﴿الله﴾ عزّ وجلّ تكررت في القرآن كلّه 2699 مرة ، وهذا العدد لاينقسم على 19 .
أما قوله بأن كلمة ﴿الرَّحْمنِ﴾ وردت في القرآن 57 مرة ، أي 19×3 فهذا صحيح .
وقوله بأن كلمة ﴿الرَّحِيمِ﴾ وردت 114 مرة ، أي 19×6 ، فهذا غير صحيح ، والحقيقة أن هذه الكلمة تكررت في القرآن كله 115 مرة . إذن ، قدّم رشاد رقماً واحداً صحيحاً من أصل أربعة أرقام ، وهكذا يفعل مع بقية الأرقام التي قدّمها ، فتجد أنه يسوق رقماً صحيحاً ويخلط به عدة أرقام ليجعلها جميعاً من مضاعفات الرقم 19 . وبالتالي يمكن اعتبار النظرية غير صحيحة .
لقد حصل رشاد خليفة على نتائج مهمة في إعجاز الرقم 19 . فقد اكتشف ملامح لبناء يقوم على هذا الرقم ، فعدد سور القرآن هو 114 سورة وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19 . وكذلك عدد حروف أول آية في القرآن هو 19 حرفاً .
وعدد حروف القاف في سورة (ق) هو 57 حرفاً ، وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19 أي يساوي 19×3 . وكذلك عدد حروف الياء والسين في سورة (يس) هو 285 حرفاً أي 19×15 .
ولكنه تسرَّع ونسي بقية الأعداد القرآنية وعلى رأسها الرقم سبعة ، وقدَّم إحصائيات عن الحروف المقطعة أو المميزة في أوائل السور ، ونتيجة هذه الإحصائيات أن جميع هذه الحروف تتكرر بشكل يتناسب مع الرقم 19 ، وتبين فيما بعد أن هذه الإحصائيات غير صحيحة ، بل قدَّم أرقاماً بعيدة كثيراً عن الحقيقة ، وهدفه من وراء ذلك ليبهر الناس باكتشافاته .
كما أنه تجاوز الحدود بمحاولة حسابه لموعد قيام الساعة الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ! وقام بحساب كل حرف من الحروف الواردة في أوائل بعض السور وهي الحروف المميزة (أو المقطعة كما يسميها البعض) ، وفقاً لحساب الجُمَّل ، هذا الحساب الذي لا يستند إلى أي أساس علمي ، وجمع ثم طرح على طريقته ليخرج من ذلك بتحديد موعد يوم القيامة عام 1710 وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19 !!!
ماذا عن بقية الباحثين ؟
إن معظم الباحثين الذين اعتمدوا الرقم 19 أساساً لأبحاثهم ، قد وقعوا في خطاٍ غير مقصود ، إما في عدّ الحروف ، وإما في منهج الحساب . وهذا لايعني بأن التناسقات العددية القائمة على العدد 19 ليست موجودة ، بل إننا نجد إعجازاً مذهلاً لهذا الرقم الذي ذكره الله تعالى في قوله : ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر : 74/30] .
كما أن هنالك أرقاماً أخرى جاء فيها التناسق مثل الرقم 11 الذي يشير إلى وحدانية الله تعالى . لأنه عدد أولي لا ينقسم إلا على نفسه وعلى الواحد وهو يتألف من 1 و 1 .
ومن عجائب أرقام القرآن أن كلمة ﴿الشهر﴾ قد تكررت في القرآن كله 12 مرة بعدد أشهر السنة ؟ أما كلمة ﴿اليوم﴾ فقد تكررت في كتاب الله تعالى 365 مرة بعدد أيام السنة ؟
وقد جاء عدد مرات ذكر كلمة ﴿الدنيا﴾ في القرآن كلّه مساوياً لعدد مرات ذكر كلمة ﴿الآخرة﴾ ، وقد تكررت كل كلمة من هاتين الكلمتين 115 مرة بالتمام والكمال !
ويمكن القول بأن معظم الباحثين الموجودين حالياً في العالم الإسلامي يتمتعون بالإخلاص إن شاء الله تعالى ، وإن صدرت منهم بعض الهفوات أو الأخطاء الحسابية فذلك بسبب صعوبة البحث في هذا الوجه الإعجازي الحديث . وبسبب عدم وجود مراجع أو ضوابط في هذا العلم . ونأمل منهم أن يتحرّوا المنهج العلمي الثابت والمدعوم بآلاف النتائج الرقمية التي تُثبت نتائجهم بشكل قاطع .
هذا . وإن الذي يطلع على ما كُتب في الإعجاز العددي يلاحظ عدداً ضخماً من النتائج التي وصل إليها الباحثون في هذا العلم . ولكن نرى أن هذه النتائج قد خُلطت بنتائج أخرى تعتمد على المصادفة والاحتمالات . ومن الصعب جداً على القارئ العادي التمييز بينها ، وهنا تكمن المشكلة .
فنجد أن القارئ العادي يأخذ جميع هذه النتائج على أنها معجزات ! بينما القارئ الحذر غالباً ما يعتبر أن هذه النتائج هي محض مصادفات . ونحن لسنا مع كلا الطرفين .
بل يجب على المؤمن أن يتحرى الحقَّ أينما وُجد ويأخذ به ، وفي الوقت نفسه يبحث عن الأخطاء ويتجنّبها .
وقد يكون من أهم الأخطاء التي يقع فيها من يبحث في هذا العلم ، ما يُسمّى بالترميزات العددية ، أي إبدال كل حرف من حروف القرآن الكريم برقم ، وجمع الأرقام الناتجة بهدف الحصول على توافق مع رقم ما ، أو للحصول على تاريخ لحدث ما . وقد يكون من أكثر أنواع التراميز شيوعاً ما سُمّي بحساب الجُمّل .
ماذا عن حساب الجُمّل ؟
دأب كثير من الباحثين على إقحام حساب الجُمّل في كتاب الله تعالى ، فما هي حقيقة هذا النوع من الحساب ؟ وهل قدّم حساب الجُمَّل نتائج علمية صحيحة ؟
 يُعتبر هذا النوع من الحساب الأقدم بين ما هو معروف في الإعجاز العددي . ويعتمد على إبدال كل حرف برقم ، فحرف الألف يأخذ الرقم 1 ، وحرف الباء 2 ، وحرف الجيم 3 ، وهكذا وفق قاعدة أبجد هوّز .
وإنني أوجه سؤالاً لكل من يبحث في هذه الطريقة : ما هو الأساس العلمي لهذا الترقيم ؟ وأظن بأنه لا يوجد جواب منطقي وعلمي عن سبب إعطاء حرف الألف الرقم 1 ، وحرف الباء الرقم 2 ،  . . . لماذا لايكون الباء 3 أو 4 مثلاً ؟
فتجد أحدهم يقول إن جُمَّل كلمة (البيِّنة) هو 98  ، أي لو أعطينا لكل حرف من حروف هذه الكلمة رقماً يساوي قيمته في حساب الجمل وجمعنا الأرقام نجد العدد 98 وهذا هو رقم سورة البيِّنة في المصحف . وينطبق هذا الحساب على كلمة الحديد التي مجموع حروفها في حساب الجمَّل هو 57 وهذا هو رقم سورة (الحديد) في القرآن .
ولو أن الحال استمر على هذا المنهج لكانت النتائج مقبولة وليس هنالك أي احتمال للمصادفة ، ولكن لدينا في المصحف 114 سورة ، ووجود توافق ما لسورتين فقط هو أمر تتدخل فيه المصادفة بشكل كبير .
وعندما حاول بعضهم دراسة بقية السور لم تنضبط حساباته مع أرقام السور ، لذلك فقد لجأ إلى تغيير المنهج وذلك مع سورة (النمل) التي رقمها في المصحف هو 27 . ولكن هذه الكلمة في حساب الجمَّل تساوي 151 وهذا الرقم بعيد جداً عن رقم السورة . فلجأ هذا الباحث إلى عدد الآيات لسورة النمل وهو 93 وكان هذا الرقم بعيداً أيضاً عن جُمَّل الكلمة ، فجمع رقم السورة مع عدد آياتها ليحصل على العدد 27+93 = 120 وهذا الأخير أيضاً بعيد عن قيمة الكلمة .
فحذف من كلمة (النمل) التعريف لتصبح غير معرفة هكذا (نمل) ، وكانت المفاجأة بالنسبة له وجود تطابق بين جُمَّل كلمة (نمل) وهو 120 وبين مجموع رقم سورة النمل وعدد آياتها وهو 120 أيضاً .
والسؤال هنا : هل يُسمح للباحث بسلوك مناهج متعددة أو حذف حروف من أسماء السور للحصول على توافقات معينة ؟ وهل يُسمح له أثناء تعامله مع كتاب الله تعالى أن يجمع عدد الآيات مع رقم السورة مرة ، ثم يكتفي برقم السورة مرة ثم يأخذ اسم السورة كما هو مرة وفي الأخرى يحذف حروفاً من هذا الاسم ؟؟
إن هذا الحساب لم يقدّم أية نتائج إعجازية ، وإن كنا نلاحظ أحياناً بعض التوافقات العددية الناتجة عن هذا الحساب عن طريق المصادفة . ولكن إقحام حساب الجمّل في كتاب الله تعالى ، قد يكون أمراً غير شرعي ، وقد لا يُرضي الله تعالى .
لذلك فالأسلم أن نبتعد عن هذا النوع وما يشبهه من ترميزات عددية للأحرف القرآنية ، والتي لا تقوم على أساس علمي أوشرعي ، حتى يثبُت صِدْقُها يقيناً . وينبغي علينا أن نعلم بأننا نتعامل مع أعظم وأقدس كتاب على وجه الأرض .
ما فائدة الإعجاز العددي ؟
قد يقول بعضهم ما الفائدة من دراسة لغة الأرقام في القرآن الكريم لاسيما أن هناك علوماً قرآنية كالفقه والعبادات والأحكام والقصص والتفسير جديرة بالاهتمام أكثر ؟
أولاً وقبل كل شيء يجب أن نبحث عن منشأ الاتجاه السائد لدى شريحة من الناس ، ومنهم علماء وباحثون ، للتقليل من شأن المعجزة الرقمية في القرآن الكريم . فنحن نعلم جميعاً الأهمية الفائقة للغة الأرقام في العصر الحديث ، حتى يمكن تسمية هذا العصر بعصر التكنولوجيا الرقمية ، فقد سيطرت لغة الرقم على معظم الأشياء التي نراها من حولنا . وبما أن القرآن هو كتاب صالح لكل زمان ومكان فلابدّ أن نجد فيه إعجازاً رقمياً يتحدّى كل علماء البشر في القرن الواحد والعشرين .
 فالذين يظنون بأنه لا فائدة من الإعجاز الرقمي ، إنما هم بعيدون عن تطورات العصر ، وغالباً ليس لديهم اختصاص في الرياضيات . والغريب : كيف يمكن لإنسان لم يدرس الرياضيات أن ينتقد معجزة رياضية في كتاب الله تعالى أو ينكر هذه المعجزة الثابتة ؟ ! !
الإعجاز العددي هو أسلوب جديد في كتاب الله يناسب عصرنا هذا ، الهدف منه هو زيادة إيمان المؤمن كما قال تعالى : ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً﴾ [المدثر : 74/31] .
هذه المعجزة هي وسيلة أيضاً لتثبيت المؤمن وزيادة يقينه بكتاب ربه لكي لا يرتاب ولا يشك بشيء من هذه الرسالة الإلهية الخاتمة ، كما قال تعالى :﴿وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ .
ولكن الذي لا يؤمن بهذا القرآن ولا يقيم وزناً لهذه المعجزة ما هو ردّ فعل شخص كهذا ؟ يخبرنا البيان الإلهي عن أمثال هؤلاء وردّ فعلهم : ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً﴾ . هذا هو حال الكافر يبقى على ضلاله حتى يلقى الله تعالى وهو على هذه الحال .
مبالغات يجب الابتعاد عنها
يُلاحظ على معظم الباحثين في الإعجاز العددي أنهم يركزون بحثهم في الأرقام ، ويضخّمون حجم النتائج التي وصلوا إليها ، ويُغفلون بقية جوانب الإعجاز القرآني ، كالإعجاز البلاغي والتشريعي ، أليس في ذلك مبالغة ينبغي الابتعاد عنها ؟
إن هذه الملاحظة موجودة فعلاً ، ولها ما يبرِّرها ! فالبحث عن معجزة رقمية في كتابٍ هو القرآن لا يحوي أية معادلات أو أرقام باستثناء أرقام السور والآيات ، هذه المهمة صعبة للغاية ، وتتطلب من الباحث أن يكرِّس كل وقته وجهده وعمله لهذا البحث الشائك .
وتزداد المهمة صعوبة إذا علمنا أنه لا توجد مراجع لهذا العلم الناشئ . ومع ذلك فإنني على يقين بأن معجزات القرآن لا تنفصل عن بعضها . فالإعجاز العددي تابع للإعجاز البلاغي ، وكلاهما يقوم على الحروف والكلمات . وقد تقودنا معاني الآيات إلى اكتشاف معجزة عددية !
وعلى كل حال ينبغي على من يبحث في الإعجاز العددي أن يهتم ويستفيد من بقية وجوه الإعجاز القرآني ، ويدرك بأن المعجزة الرقمية ماهي إلا جزء يسير من بحر إعجاز كتاب الله تعالى .
الإعجاز العددي : هل يصرف المؤمن عن معاني ودلالات الآيات ؟
  ولكن بعض علماء المسلمين يرون أن الاهتمام بعدّ كلمات وحروف القرآن قد يصرف المؤمن عن دلالات ومعاني الآيات ليهتدي بها إلى طريق الله تعالى !
هذا فهم خاطىء أيضاً ! فكيف يمكن للخالق العظيم جلّ جلاله أن يضع شيئاً في كتابه ليصرف الناس عن فهم آيات هذا الكتاب ؟ ! ! إن كل حرف من حروف القرآن فيه معجزة لغوية وعددية تستحق التدبُّر والتفكُّر والتأمل .
 وبما أن هذا القرآن صادر من عند الله تعالى فإن كل شيء فيه هو من عند الله ، ولا ينبغي لمؤمن حقيقي راسخ  في العلم أن يقول إن هذه المعجزة لا تعنيني لأنني مؤمن أصلاً ، بل لسان حال المؤمن يقول دائما : ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران : 3/7] .
 إن تأمُّل كلمات القرآن وآياته وحروفَه من الناحية العددية يجعل المؤمن أكثر حفظاً واستحضاراً لهذه الآيات ، وهذا الكلام عن تجربة طويلة تتجاوز عشر سنوات مع الإعجاز الرقمي .
وبالرغم من أنني أنفق وقتاً طويلاً على دراسة وتأمُّل الإعجازات الرقمية ، إلا أنني لم أنصرف عن دلالات الآيات ، بل على العكس اكتسبتُ شيئاً جديداً وهو الدقة في تلاوة هذه الآيات ، والحرص على كل حرف من حروف القرآن ،  وأن كتاب الله تعالى أعظم وأكبر مما كنت أتصور !
هذا وإن المؤمن الذي أحبَّ الله ورسوله وأصبح القرآن منهجاً له في حياته لا ينبغي له أن ينأى بنفسه عن علوم العصر وتطوراته . وحال المؤمن دائماً في لهفةٍ لجديد هذا القرآن وجديد إعجازه ، وما يُعلي شأن كلام الله وشأن هذا الدين . أما عن الأخطاء وبعض الانحرافات التي وقع بها بعض من بحثوا في لغة الأرقام القرآنية فيجب ألا تُثنيَنا عن دراسة هذا العلم الناشىء ، بل يجب أن تكون حافزاً لنا لمعرفة الأخطاء لينمكّن من تجنّبها .
هل يمكن للبشر أن يأتوابمثل هذه الإعجازات ؟
 وقد يسأل من ليس لديهم الخبرة والتجربة بعدّ الحروف وإحصاء الكلمات القرآنية ، أليس من السهل على أي إنسان أن يركّب جُمَلاً يراعي فيها تكرار الحروف ، إذن أين الإعجاز ؟
 في كتاب الله عزّ وجلّ نحن أمام مقياسين : مقياس لغوي ومقياس رقمي . فلا نجد أي نقص أو خلل أو اختلاف في لغة القرآن وبلاغته من أوله وحتى آخره ، وفي الوقت نفسه مهما بحثنا في هذا الكتاب العظيم لا نجد أي اختلاف من الناحية الرقمية ، فهو كتاب مُحكم لغوياً ورقمياً .
إن محاولة تقليد القرآن رقمياً سيُخل بالجانب اللغوي ، فلا يستطيع أحد مهما حاول أن يأتي بكلام بليغ ومتوازن وبالوقت نفسه منظَّم من الناحية الرقمية ، سيبقى النقص والاختلاف في كلام البشر ، وهذا قانون إلهي لن يستطيع أحد تجاوزه ، وهذا مانجد تصديقاً له في قول الحقّ تبارك وتعالى : ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ [النساء : 4/82] . أليس في هذه الآية دعوة لتأمّل التناسق في كلام الله تعالى ، وتمييزه عن الاضطراب والاختلاف الموجود في كلام البشر ؟ أليست هذه إشارة غير مباشرة لتدبُّر التناسق الموجود في كتاب الله تعالى من الناحية البيانيّة والعددية ؟      
هل ينطبق الإعجاز العددي على قراءات القرآن العشر ؟
إن الأرقام في القرآن الكريم هي مثار خلاف عند كثير من العلماء والباحثين ، وعدد قراءات القرآن عشر ، وهذه قد تختلف من حيث عدد الآيات لكل سورة ، فكيف نسمي هذه الأرقام حقائق يقينيّة ، وهي قد تختلف من مصحف إلى آخر ؟
والجواب عن هذه الشبهة نجده في قول الله عز وجل عن القرآن الكريم : ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ [النساء : 4/82] . إذن في كتاب الله ليس هناك اختلاف ، بل تعدّد القراءات وتعدّد الأرقام ، وهذا يعني تعدّد المعجزات وزيادة في الإعجاز . ويمكنني أن أقول بأن الإعجاز الرقمي يشمل جميع قراءات القرآن ، ويشمل جميع كلماته وحروفَه وآياته وسورَه ، حتى النقطة في كتاب الله تعالى لها نظام مُعْجِزْ !
 ولكن أبحاث الإعجاز العددي تقتصر حالياً على قراءة حفص عن عاصم وهو المصحف الإمام ، فهذه القراءة هي الأوسع انتشاراً في العالم الإسلامي  وهي الموجودة بين أيدينا اليوم . وحتى نكتشف معجزة جديدة يجب علينا إجراء دراسة مقارنة لهذه القراءات من الناحية الرقمية ، والنتيجة المؤكدة لهذه الدراسة أن كل قراءة فيها معجزة خاصة بها . وأن وجود عدد من القراءات هدفه زيادة عجز البشر عن الإتيان بمثل هذا القرآن الذي قال الله عنه : ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ [الإسراء : 17/88] .
ولكن يجب أن نعلم بأن هذه القراءات متشابهة تماماً باستثناء حروف معدودة ، ولكن طريقة اللفظ تتنوع من قراءة لأخرى تيسيراً من الله تعالى عالى عباده .
لذلك يمكن اعتبار أن النتائج العددية الصحيحة تنطبق بنسبة كبيرة على جميع روايات القرآن الكريم .
وينبغي على كل مؤمن أن يعلم بأن القرآن بجميع رواياته متناسق في ألفاظه ومعانيه ، وفي آياته وسوره ، وفي بيانه ودلالاته ، وفي عدد كلماته وحروفه . وقد يُخفي هذا التعدّد لقراءات القرآن معجزة عظيمة ، بيانيّة وعددية ، ولكن عدم رؤية المعجزة ، لا يعني أبداً أنها غير موجودة ، إنما يعني أن رؤيتنا نحن البشر محدودة . 
هل يوجد إعجاز عددي في لفظ كلمات القرآن ؟
وهنالك سؤال مهمّ : إلى أي حد تراعي أبحاث الإعجاز الرقمي لفظ  كلمات القرآن ، إذ كما نعلم أن القرآن نزل مقروءاً وليس مكتوباً ؟
إن الذي يقرأ كتاب الله يرى أن عدد الحروف المرسومة لا يساوي عدد الحروف الملفوظة غالباً ، أي أن هناك تعدّداً في الأرقام ، وتتعدد هذه الأرقام أكثر إذا لفظنا كلمات الآية باستمرار أو كل كلمة بمفردها .  وأن هنالك حروفاً تُكتب ولا تُلفظ ، وحروفاً أخرى تُلفظ ولا تُكتب .
ومن هنا يمكن استنتاج الحقيقة المهمة وهي أن المعجزة تشمل رسم الكلمات ولفظها معاً ! وهذا يزيد في الإعجاز . بل يجب أن نتساءل :
هل يوجد كتاب واحد في العالم يُقرأ على عشرة أوجه مثل القرآن ؟ ؟ فكيف إذا علمنا بأن كل قراءة من هذه القراءات تحوي معجزة رقمية مذهلة ؟ !
هل يمكن معرفة الغيب باستخدام الأرقام القرآنية ؟
وهنالك من يبالغ في مسألة الإعجازالعددي فيربط بعض الأرقام القرآنية بأحداث سياسية أو تاريخية كزوال إسرائيل وأحداث الحادي عشر من أيلول والتنبؤ بقيام الساعة ، ألا يُعتبر هذا أحد منْزلقات الإعجاز العددي ؟
إن المبالغات موجودة في كل العلوم ، حتى في تفاسير القرآن ! فقد تتعدد أراء العلماء حول تفسير بعض الآيات ، وقد نجد تفسيرات متناقضة لبعض آيات القرآن ، وقد نجد تفسيرات خاطئة أيضاً .
إن لغة الرقم هي اللغة التي نعبر بها عن الماضي والمستقبل ، فنحن نعبر عن التواريخ بالأرقام كما نعبر عن الأعمال التي سنقوم بها مثل السفر أو الاستعداد لموسم الحج أو لشهر رمضان بالأرقام أيضا . وقد قال تعالى : ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ [الإسراء : 17/12] .
واليوم يتنبَّأ علماء الفلك بموعد حدوث كسوف الشمس أو القمر بدقة تامَّة ، وهذا لا يُعدُّ أمراً محرّماً . نعم الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، ولكن هنالك أشياء يمكن معرفتها بواسطة الحسابات ، مثل الثقوب السوداء التي لا يمكن رؤيتها مطلقاً ، ولكن يمكن حساب وتحديد بُعْدها عنا ، ومقدار جاذبيتها ، وسرعةحركتها بواسطة لغة الأرقام .
 إذن المشكلة ليست في لغة الأرقام ، بل في استعمال هذه اللغة بشكل علمي صحيح ، فإذا جاء من يدّعي أنه استخرج من القرآن تاريخاً معيّناً أو حدثاً مستقبلياً ، فإن عليه أن يأتي بالبرهان العلمي اليقيني الذي لا يعارضُه أحد فيه .
ومن الأفضل تجنب الحديث بغير علم وبرهان عن الغيب ، وأن نتذكر قوله تعالى : ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾ [الأنعام : 6/59] .
لذلك ودرءاً للتأويلات البعيدة عن المنطق العلمي ، نحاول من خلال الفقرة الآتية وضع ضوابط خاصة بأبحاث الإعجاز الرقمي ، مع التذكير بأن هذه الضوابط ليست كل شيء بل باب الاجتهاد مفتوح أمام الباحثين والعلماء لتطوير هذا البحث وإغنائه . وبما أن معجزة القرآن متجددة كذلك الضوابط الخاصة بهذه المعجزة متجدّدة حسب المكان والزمان .
ضوابط الإعجاز الرقمي
يتألف البحث العلمي من ثلاثة عناصر ، وهي المعطيات والمنهج والنتائج . فالمعطيات هي الأساس الذي يقوم عليه البحث القرآني ، فإذا كانت هذه المعطيات صحيحة وكان المنهج المتبع في التعامل معها صحيحاً فلابدّ عندها أن تكون النتائج التي سيقدمها البحث صحيحة أيضاً .
أما إذا كانت المعطيات غير دقيقة أو غير صحيحة وكان المنهج المتبع في التعامل معها أيضاً متناقضاً ولا يقوم على أساس علمي ، فإن النتائج بلا شكّ ستكون ضعيفة وغير مقنعة ، وربما تكون خاطئة .
وحتى يكون البحث مقبولاً ويطمئن القلب إليه ، يجب أن يوافق العلم والشرع ، أي يجب أن يحقق الضوابط التالية لكل عنصر من عناصره :
 1- ضوابط خاصة بمعطيات البحث .
2- ضوابط خاصة بمنهج البحث .
3- ضوابط خاصة بنتائج البحث .
ضوابط خاصة بمعطيات البحث
بالنسبة لمعطيات البحث يجب أن تأتي من القرآن نفسه ، ولا يجوز أبداً أن نُقحِم في كتاب الله عزّ وجلّ مالا يرضاه الله تعالى . وهذا ما جعل الكثير من الأبحاث تفقد مصداقيتها بسبب اعتماد الباحث على أرقام من خارج القرآن الكريم ، كما حدث في حساب الجُمَّل .  فعندما نبدّل حروف اسم ﴿الله﴾ جلّ وعلا بأرقام ، فنبدّل الألف بالواحد ، واللام بثلاثين ، واللام الثانية بثلاثين ، والهاء بخمسة ، وهذه هي قيم الحروف في حساب الجُمّل ، ونَخْرُج بعد ذلك بعدد يمثل مجموع هذه الأرقام هو : 1 + 30 + 30 + 5 = 66، والسؤال : ماذا يعبّر هذا العدد 66  ؟ ! وهل يمكن القول بأن اسم ﴿الله﴾ يساوي 66  ؟ ؟ ؟ بل ما علاقة هذا الرقم باسم﴿الله﴾ تبارك وتعالى ؟
إن كتاب الله تعالى غزير بالعجائب والأسرار فلا حاجة للجوء إلى غيره ، فنحن نستطيع أن نستنبط من كتاب الله تعالى آلاف الأرقام . ففي آية واحدة نستطيع أن نستخرج الكثير والكثير من المعطيات أو البيانات الرقمية الثابتة ، مثلاً :
1- عدد كلمات هذه الآية .
2- عدد حروف الآية .
3- تكرار كل حرف من حروف الآية .
4- تكرار كل كلمة من كلمات الآية في القرآن .
5- أرقام السور التي وردت فيها كلمة ما من هذه الآية .
6- أرقام الآيات التي وردت فيها كلمة أو عبارة من القرآن .
7- توزع كل حرف من حروف الآية على كلماتها .
8- رقم هذه الآية في السورة .
9- رقم السورة حيث توجد هذه الآية .
10- أعداد حروف محددة في الآية مثل حروف الألف واللام والميم ﴿الـم﴾ ، أو حروف اسم ﴿الله﴾ ، أي الألف واللام والهاء . أو حروف أسماء الله الحسنى  . . . . وغير ذلك مما لا يُحصى .
11- عدد حروف كلمات محددة من الآية ، مثل حروف أول كلمة وآخر كلمة . وهكذا أرقام لا تكاد تنتهي ، كلها من آية واحدة ، فتأمل كم نستطيع استخراج أرقام من القرآن كلِّه ؟
والسؤال : إذا كان لدينا هذا الكمّ الهائل من المعطيات والبيانات القرآنية الثابتة واليقينية ، فلماذا نلجأ لأرقام أخرى من اصطلاحات البشر ؟ وهل يُعقل أن الله تعالى عندما أنزل القرآن رتَّبه على حساب الجُمَّل ؟ ؟ !
 لذلك يمكن القول بأن المعطيات التي سنتعامل معها في موسوعتنا هذه جميعها وبلا استثناء تم استخراجها من القرآن نفسه ، ولم نقحم أي رقم من خارج كتاب الله تعالى . لذلك يمكن تسمية النتائج التي توصلنا إليها بالحقائق اليقينية والثابتة .
كما ينبغي أن تكون طريقة استخراج المعطيات القرآنية ثابتة وغير متناقضة أبداً . فقد دأب كثير من الباحثين على استخراج أية أرقام تصادفه أو تتفق مع حساباته ، فتجده تارة يعدّ الحروف كما تُكتب وفق الرسم القرآني ، وتارة يعدُّ حروفاً أخرى كما تُلفظ ، وتارة يخالف رسم القرآن بهدف الحصول على أرقام محددة تتفق مع حساباته ، وغير ذلك مما لا يقوم على أساس علمي  أو شرعي .
وفي أبحاثنا هذه نتبع دائماً عدّ حروف الكلمات كما كُتبت في القرآن الكريم ، ولا نخالف هذه القاعدة أبداً ، وهذا ثابت في جميع الأبحاث التي سنقدمها للقارئ الكريم من خلال هذه الموسوعة بإذن الله تعالى .
ففي تدبُّرنا لأول آية من كتاب الله تبارك وتعالى ، وهي : ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ ، استخرجنا أرقاماً ثابتة من داخل هذه الآية العظيمة . فعدد كلمات الآية هو 4 وعدد حروف كل كلمة من كلماتها هو : ﴿بسم﴾ عدد حروفها 3 ، وكلمة ﴿الله﴾ عدد حروفها 4 ، وكلمة ﴿الرحمن﴾ عدد حروفها 6 . . . . . وهكذا .
يتكرر حرف الألف في هذه البسملة 3 مرات ، ويتكرر حرف اللام 4 مرات ، ويتكرر حرف الهاء مرة واحدة . . . . وهكذا . رقم آية البسملة في القرآن هو 1 ، ورقم السورة حيث توجد هذه البسملة وهي سورة الفاتحة رقمها 1 ، وكل كلمة من كلمات البسملة تتكرر في القرآن عدداً محدداً من المرات ، فكلمة ﴿الله﴾ تتكرر في كتاب الله 2699 مرة .
إن هذه الأرقام تتشابك وتترابط عند صفِّها لتشكل نسيجاً مُحكماً من الأعداد ، والعجيب أن هذه الأعداد جميعاً من مضاعفات الرقم سبعة !
ضوابط خاصة بمنهج البحث
 أما الطريقة التي نعالج بها هذه المعطيات القرآنية فيجب أن تكون مبنيّة على أساس علمي  وشرعي . فلا يجوز استخدام طرق غير علمية ، لأن القرآن كتاب الله تعالى ، وكما أن الله بنى وأحكم هذا الكون بقوانين علمية محكمة ، كذلك أنزل القرآن ورتبه وأحكمه بقوانين علمية محكمة ، وقال عنه : ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود : 11/1] ، وقال عنه أيضاً : ﴿لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً [النساء : 4/166] .
وقد نرى من بعض الباحثين اتباع منهج غير علمي ، فهو يجمع الحروف تارةً ، ثم يطرح أرقام الآيات ، وقد يضرب مرةً وأحياناً يقسّم وأخرى يحذف أو يضيف ، حتى تنضبط حساباته لتوافق رقماً محدداً مسبقاً في ذاكرته . وبعضهم يسوق القارئ سوقاً باتجاه نتيجة وضعها سلفاً في ذهنه ويحاول أن يثبتها . ومثل هذه الأساليب غير المنهجية مرفوضة ، إلا إذا قدّم صاحبها برهاناً مؤكداً على مصداقيتها .
إذن يجب أن يكون المنهج المتبع في معالجة البيانات القرآنية منهجاً علمياً وثابتاً ، وعدم ثبات المنهج قد يكون من أهم الأخطاء التي يقع بها من يبحث في هذا العلم .
كما يجب ألا يكون هنالك تناقض بين طريقة معالجة المعطيات القرآنية وبين الطرائق العلمية الثابتة . أما في هذه الأبحاث التي سيعيش معها القارئ فسوف يكون منهجنا ثابتاً وفق طريقة صفّ الأرقام حسب تسلسلها في كتاب الله تعالى . فمن خلال الدراسة العلمية الطويلة والمركزة لآيات القرآن تبيّن أن طريقة صفّ الأرقام تحافظ على تسلسل كلمات القرآن ، بينما طريقة جمع الأرقام لا تراعي ذلك .
وفكرة هذه الطريقة بسيطة للغاية ، فهي تقوم على عدّ حروف كل كلمة من كلمات الآية ، وقراءة العدد الناتج كما هو دون جمعه أو طرحه أوضربه ، وسوف تكون الأعداد الناتجة من مضاعفات الرقم سبعة دائماً وأبداً .
إن هذه الطريقة في صف الأرقام لم تكن موجودة على زمن الرسول الكريم ، وهذا يعني أن التفسير الوحيد لوجود نظام كهذا في القرآن أنه كتاب الله ورسالته إلى البشر جميعاً .
وسوف تكون طريقتنا في استنباط المعجزة هي وضع المعطيات القرآنية الرقمية ومعالجتها حتى نحصل على توافق هذه الأرقام مع رقم محدد وهو الرقم سبعة ، وهذا الرقم المميَّز في القرآن لم نقم باختياره بل إن الله تعالى هو الذي اختاره لكتابه ، والعلاقات الرقمية المبهرة التي سنراها يمكن تسميتها بالحقائق الثابتة في كتاب الله تعالى .
فعلى سبيل المثال نذكر إحدى الحقائق الرقمية المهمة في كتاب الله تعالى ، فعندما نقوم بعدّ حروف اسم ﴿الله﴾ في أول سورة من كتاب الله أي حروف الألف واللام والهاء نجد 49 حرفاً أي 7 × 7 ، فهذه حقيقة ثابتة لا ريب فيها ، فهذا التوافق لإسم السورة وهو : ﴿السبع المثاني﴾ ، مع عدد حروف ﴿الله﴾ فيها ، وهو : (سبعة في سبعة) لم يأت عن طريق المصادفة ، ولا يمكن أن ينكره عالم أو جاهل .
والسؤال : مَن الذي جعل عدد حروف اسم ﴿الله﴾ في أول سورة من كتاب الله يساوي تماماً (سبعة في سبعة) ؟ ومن الذي سمَّى هذه السورة بالسبع المثاني ؟ ومن الذي جعل عدد آيات هذه السورة العظيمة سبع آيات ؟ أليس هو الله تعالى خالق السماوات السبع ؟
ضوابط خاصة بنتائج البحث
 أما نتائج البحث القرآني فيجب أن تمثّل معجزة حقيقيّة لا مجال للمصادفة فيها . وينبغي على الباحث في هذا المجال إثبات أن نتائجه لم تأت عن طريق المصادفة ، وذلك باستخدام قانون الاحتمالات الرياضي .
كما يجب أن يتنبه من يبحث في الإعجاز العددي إلى أن الأرقام هي وسيلة لرؤية البناء العددي القرآني ، وليست هي الهدف ! ويجب أن يبقى بعيداً عن منْزلقات التنبُّؤ بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى . وأن يبتعد عن الاستدلال بهبه الأرقام على تواريخ أو أحداث سياسية .
ونحن لا ننكر أن القرآن يحوي كل العلوم ويحوي الماضي والمستقبل ، ولكن يجب التثبُّت والتأنِّي والانتظار طويلاً قبل أن نستنبط شيئاً من كتاب الله له علاقة بعلم الغيب ، فقد يثبُت خطأ هذا الاستنباط مستقبلاً ، فنكون بذلك قد وضعنا حجّة في يد أعداء الإسلام للطعن في هذا الدين .
في هذه الموسوعة سوف نعيش مع أكثر من 700 حقيقة رقمية جميعها جاءت فيها الأعداد من مضاعفات الرقم سبعة ! ! وبما أن المنهج ثابت والمعطيات ثابتة ومن داخل القرآن ، فإن هذه الحقائق تمثل معجزة لا مجال للمصادفة فيها أبداً إن شاء الله تعالى .
منهج البحث في هذه الموسوعة
لقد قمنا بسلوك طريق محددة في الأبحاث التي بين أيدينا في هذه الموسوعة ، وهي استخراج الأرقام من القرآن والبحث عن العلاقات الرقمية التي أودعها الله تعالى في هذه الأرقام .
ويمكن للقارئ أن يتوقع رؤية التناسقات العجيبة مع الرقم سبعة ، وذلك في المجالات الآتية :
1- العلاقات التي تربط بين عدد حروف كل كلمة من كلمات الآية ، وعدد حروف أول كلمة وآخر كلمة في الآية ، وذلك بهدف رؤية أسرار حروف القرآن وأن الطريقة التي كُتبت بها كلمات القرآن هي طريقة معجزة .
2- توزع حروف محددة داخل كلمات الآية ، مثل توزع حروف الألف واللام والهاء المكونة لاسم ﴿الله﴾ تعالى وغيره من أسماء الله الحسنى ، وتوزع الحروف المميزة مثل ﴿الم﴾ وغيرها من الحروف ، لنرى من خلال هذا التوزع إعجاز هذه الحروف وأنه لا يمكن لبشر أن يركب جملاً بليغة ويجعل كل حرف يتوزع بنظام يقوم على الرقم سبعة .
3- العلاقة التي تربط أرقام الآيات والسور التي وردت فيها كلمة ما ، وذلك من خلال دراسة تكرار هذه الكلمة في القرآن كلِّه . وهذا يؤكد أن الله تعالى قد وضع كل كلمة من كلمات القرآن بدقَّة متناهية ، ولو تغير ترتيب الآيات والسور لاختل هذا البناء المحكم .
4- العلاقات الرقمية التي تربط بين رقم السورة ورقم الآية وعدد الكلمات وعدد الحروف ، وذلك من أجل رؤية الإحكام والترابط والتماسك في بناء آيات وسور القرآن الكريم ، وإثبات أنه كتاب محكم ومترابط ومتكامل ، ولو كان من صنع بشر لما رأينا فيه هذا التماسك والترابط المعجز .
5- البحث عن العلاقات الرقمية التي تربط سور القرآن ، ورؤية البناء المذهل لارتباط أول آية في القرآن مع بعض آيات القرآن برباط سباعي ، وكذلك ارتباط أول سورة من القرآن مع بعض سور القرآن . وارتباطات أخرى وتناسقات مذهلة جميعها تقوم على الرقم سبعة ومضاعفاته.
الأساس العلمي والشرعي لعدّ الكلمات القرآنية
سوف نعتبر واو العطف كلمة مستقلة عما قبلها وما بعدها ، والسبب في ذلك هو أن النظام الرقمي الذي سنراه ونلمسه والقائم على الرقم 7 لا ينضبط إلا على هذا الأساس .
إن اعتبار واو العطف كلمة مستقلة له أساس شرعي ، وهو أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، عندما كُتب القرآن بين يديه ، كانت واو العطف تُكتب منفصلة ومستقلة عن الكلمة التي قبلها والكلمة التي بعدها .
وهذا مانراه يقيناً في المخطوطات التي تعود لزمن سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه . والصورة التالية توضح نموذجاً للمصاحف التي كُتبت في ذلك الزمن ، و تُظهر عدم وجود ارتباط بين واو العطف والكلمة التي بعدها .
أما الدليل العلمي فنجده في القرآن نفسه ، وتحديداً في قصة أصحاب الكهف . فجميعنا يعلم بأن أصحاب الكهف قد لبثوا في كهفهم 309 سنوات . وهذا بنص القرآن الكريم, يقول تعالى : ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ [الكهف : 18/25] .
فالقصة تبدأ بقوله تعالى : ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ! إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ! فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ! ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً !  ...﴾ [الكهف : 18/9-13] .
 وتنتهي عند قوله تعالى : ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ! قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾ [الكهف : 18/25-26] .
والسؤال : هل هنالك علاقة بين عدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف  وبين عدد كلمات النص القرآني ؟ وبما أننا نستدلّ على الزمن بالكلمة فلابدَّ أن نبدأ وننتهي بكلمة تدلّ على زمن . وبما أننا نريد أن نعرف مدة ما ﴿لبثوا إذن فالسرّ يكمن في هذه الكلمة .
فلو تأملنا النص القرآني الكريم منذ بداية القصة وحتى نهايتها ، فإننا نجد أن الإشارة القرآنية الزمنية تبدأ بكلمة ﴿لبثوا﴾ وتنتهي بالكلمة ذاتها ، أي كلمة ﴿لبثوا﴾ .
والعجيب جداً أننا إذا قمنا بعدّ الكلمات مع عد واو العطف كلمة مستقلة وذلك بدءاً من كلمة ﴿لبثوا﴾ الأولى وحتى كلمة ﴿لبثوا﴾ الأخيرة ، فسوف نجد بالتمام والكمال 309 كلمات بعدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف !!!!!
تطابق مذهل ! !
وهذا هو النص القرآني لمن أحب التأكد من صدق هذه الحقيقة ، ولاحظ عزيزي القارئ كيف بدأنا العدّ من كلمة ﴿لبثوا﴾ الأولى ، وتوقفنا عند كلمة ﴿لبثوا﴾ الأخيرة وعدد الكلمات بينهما يتطابق مع مدلول هذه الكلمة الزمني :
﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ! فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ! ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا  
لَبِثُوا*أَمَداً*نَحْنُ*نَقُصُّ*عَلَيْكَ*نَبَأَهُم*بِالْحَقِّ*إِنَّهُمْ*فِتْيَةٌ*آمَنُوا*10
بِرَبِّهِمْ*وَ*زِدْنَاهُمْ*هُدًى*و*رَبَطْنَا*عَلَى*قُلُوبِهِمْ*إِذْ*قَامُوا*20
فَقَالُوا*رَبُّنَا*رَبُّ*السَّمَاوَاتِ*وَ*الْأَرْضِ*لَن*نَّدْعُوَ*مِن*دُونِهِ*30
إِلَهاً*لَقَدْ*قُلْنَا*إِذاً*شَطَطاً*هَؤُلَاء*قَوْمُنَا*اتَّخَذُوا*مِن*دُونِهِ*40
آلِهَةً*لَّوْلَا*يَأْتُونَ*عَلَيْهِم*بِسُلْطَانٍ*بَيِّنٍ*فَمَنْ*أَظْلَمُ*مِمَّنِ*افْتَرَى*50
عَلَى*اللَّهِ*كَذِباً*وَ*إِذِ*اعْتَزَلْتُمُوهُمْ*وَ*مَا*يَعْبُدُونَ*إِلَّا*60
اللَّهَ*فَأْوُوا*إِلَى*الْكَهْفِ*يَنشُرْ*لَكُمْ*رَبُّكُم*مِّن*رَّحمته*و*70
يُهَيِّئْ*لَكُم*مِّنْ*أَمْرِكُم*مِّرْفَقاً*وَ*تَرَى*الشَّمْسَ*إِذَا*طَلَعَت*80
تَّزَاوَرُ*عَن*كَهْفِهِمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ*وَ*إِذَا*غَرَبَت*تَّقْرِضُهُمْ*ذَاتَ*90
الشِّمَالِ*وَ*هُمْ*فِي*فَجْوَةٍ*مِّنْهُ*ذَلِكَ*مِنْ*آيَاتِ*اللَّهِ*100
مَن*يَهْدِ*اللَّهُ*فَهُوَ*الْمُهْتَدِ*وَ*مَن*يُضْلِلْ*فَلَن*تَجِدَ*110
لَهُ*وَلِيّاً*مُّرْشِداً*وَ*تَحْسَبُهُمْ*أَيْقَاظاً*وَ*هُمْ*رُقُودٌ*وَ*120
نُقَلِّبُهُمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ*وَ*ذَاتَ*الشِّمَالِ*وَ*كَلْبُهُم*بَاسِطٌ*ذِرَاعَيْهِ*130
بِالْوَصِيدِ*لَوِ*اطَّلَعْتَ*عَلَيْهِمْ*لَوَلَّيْتَ*مِنْهُمْ*فِرَاراً*وَ*لَمُلِئْتَ*مِنْهُمْ*140
رُعْباً*وَ*كَذَلِكَ*بَعَثْنَاهُمْ*لِيَتَسَاءلُوا*بَيْنَهُمْ*قَالَ*قَائِلٌ*مِّنْهُمْ*كَمْ*150
لَبِثْتُمْ*قَالُوا*لَبِثْنَا*يَوْماً*أَوْ*بَعْضَ*يَوْمٍ*قَالُوا*رَبُّكُمْ*أَعْلَمُ*160
بِمَا*لَبِثْتُمْ*فَابْعَثُوا*أَحَدَكُم*بِوَرِقِكُمْ*هَذِهِ*إِلَى*الْمَدِينَةِ*فَلْيَنظُرْ*أَيُّهَا*170
أَزْكَى*طَعَاماً*فَلْيَأْتِكُم*بِرِزْقٍ*مِّنْهُ*وَ*لْيَتَلَطَّفْ*وَ*لا*يُشْعِرَنَّ*180
بِكُمْ*أَحَداً*إِنَّهُمْ*إِن*يَظْهَرُوا*عَلَيْكُمْ*يَرْجُمُوكُمْ*أَوْ*يُعِيدُوكُمْ*فِي*190
مِلَّتِهِمْ*وَ*لَن*تُفْلِحُوا*إِذاً*أَبَداً*وَ*كَذَلِكَ*أَعْثَرْنَا*عَلَيْهِمْ*200
لِيَعْلَمُوا*أَنَّ*وَعْدَ*اللَّهِ*حَقٌّ*وَ*أَنَّ*السَّاعَةَ*لَا*رَيْبَ*210
فِيهَا*إِذْ*يَتَنَازَعُونَ*بَيْنَهُمْ*أَمْرَهُمْ*فَقَالُوا*ابْنُوا*عَلَيْهِم*بُنْيَاناً*رَّبُّهُمْ*220
أَعْلَمُ*بِهِمْ*قَالَ*الَّذِينَ*غَلَبُوا*عَلَى*أَمْرِهِمْ*لَنَتَّخِذَنَّ*عَلَيْهِم*مَّسْجِداً*230
سَيَقُولُونَ*ثَلاثَةٌ*رَّابِعُهُمْ*كَلْبُهُمْ*وَ*يَقُولُونَ*خَمْسَةٌ*سَادِسُهُمْ*كَلْبُهُمْ*رَجْماً*240
بِالْغَيْبِ*وَ*يَقُولُونَ*سَبْعَةٌ*وَ*ثَامِنُهُمْ*كَلْبُهُمْ*قُل*رَّبِّي*أَعْلَمُ*250
بِعِدَّتِهِم*مَّا*يَعْلَمُهُمْ*إِلَّا*قَلِيلٌ*فَلَا*تُمَارِ*فِيهِمْ*إِلَّا*مِرَاء*260
ظَاهِراً*وَ*لَا*تَسْتَفْتِ*فِيهِم*مِّنْهُمْ*أَحَداً*وَ*لَا*تَقُولَنَّ*270
لِشَيْءٍ*إِنِّي*فَاعِلٌ*ذَلِكَ*غَداً*إِلَّا*أَن*يَشَاءَ*اللَّهُ*وَ*280
اذْكُر*رَّبَّكَ*إِذَا*نَسِيتَ*وَ*قُلْ*عَسَى*أَن*يَهْدِيَنِ*رَبِّي*290
لِأَقْرَبَ*مِنْ*هَذَا*رَشَداً*وَ*لَبِثُوا*فِي*كَهْفِهِمْ*ثَلاثَ*مِئَةٍ*300
سِنِينَ*وَ*ازْدَادُوا*تِسْعاً*قُلِ*اللَّهُ*أَعْلَمُ*بِمَا*لَبِثُوا*309
إذن البعد الزمني للكلمات القرآنية بدأ بكلمة ﴿لبثوا﴾ وانتهى بكلمة ﴿لبثوا﴾ ، وجاء عدد الكلمات من الكلمة الأولى وحتى الأخيرة مساوياً ومطابقاً للزمن الذي تعبِّر عنه هذه الكلمة أي الزمن الذي لبثه أصحاب الكهف والذي حدده البيان الإلهي بالرقم 309 . أليست هذه معجزة قرآنية ينبغي على كل محبٍّ للقرآن أن يتدبَّرها ؟
والعجيب أيضاً أن عبارة ﴿ثلاث مئة﴾ في هذه القصة جاء رقمها 300 ، وهذا يدلّ على التوافق والتطابق بين المعنى اللغوي للكلمة وبين الأرقام التي تعبر عن هذه الكلمة .
ويجب أن نؤكد بأن علماء اللغة لا يعدون واو العطف كلمة مستقلة ، بل يتبعونها ويُلحقونها بالكلمة التي بعدها ، وقد بيَّنت البحوث التي نراها في الإعجاز العددي من قبل الكثير من الباحثين أن هذا الأساس في عدم عدّ واو العطف كلمة ، هو صحيح ويعطي نتائج إعجازية . وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على وجود أكثر من طريقة لعدّ الكلمات في القرآن . ولكننا في هذه الموسوعة نفضّل الالتزام بمنهج ثابت ولا نخالفه أبداً.
إن وجود أكثر من طريقة للعد والإحصاء في القرآن يزيد في حجم المعجزة القرآنية وتعقيدها ، وأنها صادرة من الله العزيز العليم . فهل يوجد كتاب واحد في العالم تبقى حروفه وكلماته منضبطة كيفما عددنا الكلمات ومهما اتبعنا من طرق للعدّ والإحصاء ؟
الأساس القرآني والرياضي لطريقة صفّ الأرقام
ما هي الطريقة الرياضية الأنسب التي اختارها الله تعالى ليحفظ بها القرآن من التحريف  ؟ هذه الطريقة ستكون بمثابة برهان وتوقيع إلهي على صدق كلامه عز وجل .
 إنها طريقة صفّ الأرقام ، وأساس هذه الطريقة معروف في علم الرياضيات فيما يُسمّى بالسلاسل الحسابية العشرية . فنحن عندما نكتب أي عدد يتألف من مراتب أومنازل ، فإن كل مرتبة فيه تتضاعف عشر مرات عما يسبقها : آحاد ثم عشرات ثم مئات ثم ألوف . . . وهكذا . وهذا النظام له أساس قرآني في قوله تعالى عن مضاعفة الأجر : ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام : 6/160] .
نحن جميعاً نعلم العمليات الحسابية الأربعة : الجمع والضرب والقسمة والطرح . إن عملية الجمع يمكن أن تضبط العدد الإجمالي للحروف أو الآيات أو السور ، ولكن لا تستطيع ضبط التفاصيل داخلها !
إن الله عزّ وجلّ قد رتّب كلمات كتابه بتسلسل محدّد ، ولا يجوز أبداً تغيير هذا التسلسل ، لذلك ينبغي دراسة الأرقام التي تعبّر عن هذه الكلمات بحيث نحافظ على تسلسلها . فكما أنه لكل كلمة من كلمات القرآن مَنْزِلة ، يجب أن يكون لكل رقم مَنْزِلة أيضاً .
أما سبب صفّ الأرقام فإن لهذه الطريقة ميزات لا تتوفر في غيرها ، فعندما نصفّ أرقام الآيات مثلاً ، أو عدد حروف كل كلمة صفًّا نحافظ على تسلسل هذه الآيات وهذه الكلمات وترتيبها بينما إذا جمعنا هذه الأرقام جمعاً اختفى هذا التسلسل وهذا الترتيب .
وعندما نصّف عدد حروف كل كلمة صفّاً فإن العدد الناتج نرى فيه جميع هذه الأرقام رؤية مباشرة ، بينما إذا جمعنا هذه الأرقام اختلطت ولم نعد نميِّز بينها . كما أن عملية صفّ الأرقام بحيث نعطي لكل رقم مَنْزلة ومرتبة يؤدي إلى إنتاج أعداد ضخمة جداً وهذا يزيد من تعقيد المعجزة الرقمية .
ولكي نرى تفاصيل ودقائق ونتائج هذه الطريقة نبدأ بما بدأ الله به كتابه ، وهي أول آية من القرآن الكريم : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ وسوف نرى فيها ترتيباً معجزاً في حروفها وكلماتها ، والسؤال الذي ينبغي على القارئ تذكّره :
كيف جاءت هذه التوافقات الغزيرة مع الرقم سبعة ؟ وهل يستطيع البشر أن يأتوا بمثلها ؟ وهل ندرك من خلال هذه الأرقام عظمة وروعة القرآن ؟

ليست هناك تعليقات: